بسم الله الرحمن الرحيم
قيل لمعاوية بن ابي سفيان - رضي الله عنه : إن بالحيرة رجلا من (بني جرهم ) قد عمَر ،فرأى أعاجيب ، فقال معاوية عليَ به ، قال: من الرجـــــل ؟قال : (عبيد بن شربة (قال : ثم ممَن ؟ قال من قوم لم يبق منهم بقية ،فقال : فكم قضي من عمرك ؟ قال :عشرون ومائة سنة ، قال : أخبرني بأعجب ما رأيت في عمرك ، قال : نعم يا أمير المؤمنين ، كنت في حي من العرب ، فمات عندهم ميت ، يقال له ( عشير بن لبيد العذري ) فمشــيت في جنازيه ، وتأسيت بجماعته ، فلما دفن في قبره ، أدركتني عليه عبرة ، ولم أستطع ردها ، وتمثلت بأبيات سمعتها قديما وعلِقَ الان في خاطــري منها هذه الأبيات .
ياقلبُ إنك من أسمــــاءَ مغرورُ *** فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكيـــــرُ
قد بحتَ بالحبِ ماتخفيه من أحدٍ *** حتى جرت لك إطــــلاقاً مخاطــــيرُ
فلستَ تدري ولاندري أعَاجِلُها *** أدْنىلرشــــــــدك أم مافيه تأخـــــيرُ
فاستَقْدِرِ اللَه خيرًا وارضيَن به *** فبينما العســـــرُ إذدارت مياسيـــــرُ
وبينما المرءُ في الأحياء مغتبطٌ *** إذا هو في الرَمس تعفوهُ الأعاصيرُ
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه *** وذو قرابته في الحي مســــــــــرور
فبينما أردد هذه الأبيات ،وعيناي تنسكبان ، إذ قال لي رجل الى جنبي من (عذرة ) : يا عبد الله ‘ هل تعرف قائل هذا الشعر ؟قلت لا والله قال : قائله هذا الميت الذي دفناه ‘ وأنت الغريب الذي تبكي عليه ، ولا تعرفه ، لا تعلم انه قائل الأبيات ،، وذو قرابته الذي ذكرت أنه مســــرور هو ذاك ، وأشار الى رجل في الجماعة ، فرأيته لايستطيع كتمان ماهو عليه من المسرة .
فقال معاوية : ياأخا جُرهم ‘ سل ماشئت ؟ قال : ما مضى من عمري ترده ، والأجل إذا حضرتدفعه ؟ قال : ليس ذلك لي ، سل غيره ، قال : يا أمير المؤمنين ليس اليك رد شبابي ، ولا الاخرة فتكرم مآبي والمال قد أخذت منه في عنفواني ما كفاني قال : لابد أن تسألنـــــي ، قال : أما إذا شئت ، فمر لي برغيفين أتغدى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ,، واتق الله ، واعلم أنك مفارقٌ ما أنت فيه ، وقادم ٌ على ماقدِمْتُ، فأمر له بأشياء من حنطة ، وغيرها فردها ، وقال: إن أعطيت المسلمين كلهم مثل ما أعطيتني ، وإلا فلا حاجة لي في ذلك ، ثم ودعه وانصرف .